يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال صفحتنا على فيسبوك
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من الرياض: أجتذب فن صناعة المكان بصفته عنصراً مهماً في تشكيل البنية الحضرية الأساسية في المدن مزيداً من الاهتمام لدى السعودية، إذ يركز هذا المفهوم الحديث في الفضاء الحضري على إعادة صياغة شكل المكان ليصبح قوة رمزية تمنح الجمال.
فلسفة صناعة المكان تعد تخطيط ممنهج مستحدث لإدارة الأماكن العامة وتصميمها، من أجل منح الفراغ الحضاري في مدننا صور من الجماليات والمعاني الاجتماعية، هذا المفهوم بلمساته العمرانية يلبي رغبات السكان لقاء أن تصبح المدن أكثر ملائمة للإنسان.
صناعة الأماكن هي مفهوم وممارسة حديثة نسبيَّاً سيطرت على الخطاب المعاصر في مجال التخطيط العمراني منذ التسعينيَّات الميلاديَّة من القرن الماضي، بحسب الباحث وائل إسماعيل بخيت، الذي يشير في سياق رؤيته العمرانية إلى أن جذور “صناعة الأماكن” تعود إلى الفشل الذي أصاب مشاريع التجديد الحضري الكبيرة التي طُبِّقت على مراكز المدن خلال منتصف القرن العشرين.
زخمٌ إضافي
ويضيف إنه مع بداية القرن الحادي والعشرين، بدأ مفهوم صناعة الأماكن يكتسب زخماً إضافيَّاً نتيجة لموجات التحضُّر المتسارعة التي قادت إلى زيادة تركُّز المزيد من السكان في المدن.
مفهوم المدينة في وقتنا الحاضر لم يعد بتصوره السابق في أذهان الناس مجرد نتاج تخطيط عمراني قد لا يكون صديقاً للإنسان، بل تغير هذا المفهوم مع دخول ممارسات عمرانية حديثة إضافة إلى ما بات يعرف بـ " أنسنه المدن".
فأصبحت الصور البصرية للعناصر التصميمية للمكان تحظى بأهمية بالغة وهو ما يستدعي تظافر جهود المعماريين والفنانين لخلق ابتكار عمراني مدني حديث.
كيف غيرت السعودية مفهوم المكان؟
وفي إطار التوجه السعودي في صناعة الأماكن، شرعت السعودية منذ إعلان رؤية البلاد 2030 في إطلاق خطط تطويرية لاستثمار المقومات التنموية في المدن بهدف تحويلها إلى تجمعات حضارية جاذبة تتمتع بتكامل أوجه جودة الحياة.
وأعاد ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان اكتشاف الأماكن برؤية تنموية جديدة تساعد في بقاء المدن وتطوّرها، علاوة على إحداث تحوّلات كبرى تسهم في بناء المستقبل الجديد للبلاد بما يتسق مع رؤية 2030.
وتوجهت السعودية في صياغة استراتيجيات تنموية للمدن عبر إطلاق ولي عهد البلاد استراتيجية الرياض للاستدامة الهادفة إلى تحويل العاصمة لـ واحدة من أكثر المدن استدامة عالميا.
وفي ذات الاتجاه، استمرت وتيرة التدشين لمشروعات تنمية المدن فقبل استراتيجية الرياض جاءت المكاتب الاستراتيجية لتطوير مناطق الباحة، والجوف، وجازان، بهدف رفع جودة الحياة فيها، كما سبق هذه الخطوات تدشين استراتيجية عسير بعنوان قمم وشيم لتطوير المنطقة.
مدينة نيوم.. المستقبل الجديد
العيش بحياة مختلفة، تناغم الإنسان مع الطبيعة، هذه الفكرة التي انطلقت منها مدينة نيوم التي تقوم على التغيير.
مدينة المستقبل الجديد تعد أكبر مشروعات مرتكزات رؤية السعودية 2030، وتقع في الجزء الشمالي الغربي من السعودية، بالقرب من حدودها مع الأردن ومصر.
المدينة العصرية هي أول منطقة تمتد بين ثلاث دول، فضلاً عن أنها ترتبط جغرافياً بـ القارات الثلاث، آسيا، وأوروبا، وأفريقيا.
موقعها الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر شمال غرب السعودية يجعلها ميداناً حياً ونابضاً بالتجارب، لتصبحَ منصّة عالمية ترسم فيها ريادة الأعمال والابتكار معالم المستقبل الجديد.
امتازت فلسفة مدينة نيوم بعامل الفرادة إذ جمعت نخبة العقول في العالم لتصوير الحلول المستدامة وتطبيقها، كما نظرت الحكومة السعودية ببانورامية تجاه مكامن تفرد المدينة، مطوّعة جغرافيتها بالتوظيف الواقعي لعناصر صناعة المكان من أجل تحقيق حياة استثنائية.
"أوكساجون" التجمع الصناعي الأكبر في العالم
ولكي تصبح نيوم المشروع الأول من نوعه في التطوير الحضاري، أعلن ولي العهد السعودي، عن إنشاء مدينة نيوم الصناعية "أوكساچون" التي تشكل خطوة أخرى ضمن مخطط نيوم الرئيسي.
"أوكساجون" تستهدف تقديم نموذجاً جديداً لمراكز التصنيع المستقبلية وفقاً لإستراتيجية نيوم المتمثلة في إعادة تعريف الطريقة التي تعيش وتعمل بها البشرية في المستقبل. وترتكز مدينة نيوم الصناعية على ذات الفلسفة والمفاهيم الخاصة بمجتمعات ذا لاين إذ ستوفر إمكانية عيش استثنائية متجانسة مع الطبيعة.
المدينة الجديدة التي تعد استكمالاً لـ " نيوم" الحلم تشكل أكبر هيكل عائم في العالم ومركزاً لتطوير «الاقتصاد الأزرق» عبر الاعتماد على البحار في تحقيق التنمية المستدامة.
ذا لاين.. ثورة في الحياة الحضرية
وعلى ذات الاتجاه في صناعة فنون المكان، انبثق من نيوم مشروع " ذا لاين " وهو المشروع الجديد الأول من نوعه في مجال التطوير الحضاري، إذ ابتُكر وأنشئ في عصر الرقمنة والاستدامة.
"ذا لاين" يضع في عين الاعتبار الاحتياجات الضرورية والملحة التي تواجه أهل المنطقة والعالم ضمن رؤية لمستقبل مستدام لكوكب الارض.
فضاء المكان في ذا لاين هو تجسيد للتسارع في اكتشاف الدوائر المكانيّة وإعادة صياغتها بما يتسق مع إيقاع المدن الصديقة للإنسان.
ويتضمن تنشيط المجتمعات بجعلها "إدراكية - متعددة الاستخدام"، مع تمكين مفهوم المشي ليكون حجر الزاوية في الحياة العملية للنسيج الحضري.
واحات العلا.. إرث مستقبلي
لمدينة العلا رمزية تاريخية خالدة، لا سيّما أنها موطن أصيل للحضارات وتعد إحدى محافظات منطقة المدينة المنورة وتقع في الجزء الشمالي الغربي من البلاد.
ولما تتميز به من مقومات حضارية جاذبة، أنشئت السعودية هيئة ملكية في محافظة العلا تأكيداً لأهميتها التاريخية كموقع تراثي - ثقافي – حضاري يحمل عبق التاريخ وصور التراث.
وتسعى السعودية إلى تحويل العلا لوجهة عالمية رائدة للفنون والتراث والثقافة والطبيعة كجزء من المشروع السعودي في صياغة الأمكنة إضافة إلى حفظ إرثها ورسم المستقبل عبر فتح فصول جديدة لاكتشاف تاريخها.
أول مدينة غير ربحية في العالم
حي عرقة في العاصمة السعودية الرياض هو أيضاً كان على موعد مع التاريخ، فولي العهد السعودي كان قد أعلن عن إطلاق مشروع مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية التي من المقرر أن تكون أول مدينة غير ربحية في العالم.
المدينة الجديدة ستكون المدينة نموذجاً ملهماً لتطوير القطاع غير الربحي عالمياً، وحاضنة للعديد من المجاميع الشبابية والتطوعية وكذلك المؤسسات غير الربحية المحلية والعالمية.
حاضرة رقمية متقدمة محورها الإنسان هو ما يجسده المخطط الرئيسي للمدينة الجديدة، التي صممت لتكون مستدامة وصديقة للمشاة بـواقع أكثر من44% من المساحة الإجمالية كمساحات خضراء مفتوحة لتعزيز مفهوم التنمية المستدامة.
التجربة السعودية في فن صناعة المكان هي تجديد حضاري لكي تصبح المدينة عامل أساسي في رفاهية الإنسان بعد سنوات من الإشكاليات التي أثرت على طبيعة أنماط الحياة.
يعزو المراقبون تلك الأسباب إلى سوء التخطيط العمراني أو حتى تشويه المدينة بفعل ممارسات السكان الخاطئة، غير أن رؤية السعودية 2030 حرصت على تطوير جودة الحياة العمرانية من خلال برنامج جودة الحياة لتعزيز قابلية العيش في المدن.